Blog Layout

هل يمكن تأسيس شركة ناجحة بدون مستثمرين؟

عماد أبو الفتوح/منصة ميدان • ٢ أكتوبر ٢٠٢٢

في رحاب البوتستراب (Bootstrap).. هل يمكن تأسيس شركة ناجحة بدون مستثمرين؟

بالنسبة إلى رائد الأعمال، فبالتأكيد أسعد خبر يمكنه الإعلان عنه أثناء مسيرته الريادية هو حصول شركته الناشئة على جولة تمويلية بواسطة مستثمرين، وبالتأكيد كلما زادت أرقام الجولة التمويلية إلى 6 أو 7 أصفار، كان هذا الخبر أكثر تأكيدا بأن المشروع الناشئ -أيا كان مجاله ونوع السوق الذي يعمل فيه- بات مستقرا وأمامه فرص للنمو والازدهار.

ولكن لسوء الحظ، وبسبب أزمة التضخم والركود الشامل الذي يشهده العالم حاليا، والذي ضاعفت من نتائجه السلبية أزمة الحرب الروسية-الأوكرانية، والارتفاع المتكرر لسعر الفائدة في البنوك العالمية؛ نشهد تراجعا حادا في إقبال المستثمرين على ضخ جولات تمويلية في الشركات الناشئة. الأسباب عديدة، ولكن يمكن اختصارها في سؤالين يقفزان على لسان أي مستثمر: أولا، لماذا أُخرج أموالي من البنك وأنا أربح عوائد مضمونة في ظل ارتفاع الفائدة؟ ثانيا، لماذا أستثمر هذا المال الذي أخرجته من البنك في شركات ناشئة تبدأ مسيرتها في ظل ركود يجتاح الأسواق العالمية؟

هذا الوضع -تباطؤ المستثمرين عن تمويل الشركات الناشئة- أدى بالفعل إلى سلسلة من الانهيارات الكبيرة التي طالت عشرات الشركات الناشئة حول العالم، مثل كابيتر المصرية وإيرليفت الباكستانية وغيرها العشرات من الشركات التي كان أحد أسباب انهيارها إلى جانب ركود الأسواق هو تراجع الجولات التمويلية التي تضمن لها النمو والتوسع.

ومع هذا الوضع المتأزم، بدأت تتعالى أصوات بين الرياديين تتساءل: لماذا نضطر للاعتماد على أموال المستثمرين؟ لماذا لا نذهب إلى الـ" بوتستراب (Bootstrap)" العزيز الذي يغنينا عن كل هذه الأزمات؟

في رحاب البوتستراب

باختصار، مصطلح الـ"بوتستراب (Bootstrap)" في مجال الأعمال هو مرادف للعصامية، أو البناء الذاتي لشركة ناجحة دون الاعتماد على تمويلات خارجية من مستثمرين، والاكتفاء بالموارد المالية والبشرية المحدودة التي يملكها مؤسسو الشركة لبناء شركتهم، ثم إدارتها وتنميتها من نقطة الصفر حتى لحظة التخارج، سواء بالاستحواذ عليها أو طرح أسهمها للاكتتاب العام.

أصل مصطلح "Bootstrapping" ليس واضحا تماما، إلا أنه -في عالم الأعمال- ربما بدأ يُستخدم على نطاق واسع في القرن التاسع عشر بمعنى "اربط الحذاء وانطلق"، أي الاعتماد على النفس في عملية الإقلاع الذاتي. يُطلق على هؤلاء الذين يبدؤون بتأسيس شركاتهم الناشئة بمواردها المالية الذاتية، ويرفضون الاعتماد على أموال المستثمرين، لقب "بوتسترابرز (Bootstrappers)".

حسنا، كيف يبدأ هؤلاء العصاميون رحلتهم الريادية بهذا الأسلوب دون الاعتماد على أي تمويلات خارجية؟ الإجابة الأشهر تكون عبر الاعتماد على المدخرات المالية للمؤسسين -أو أقربائهم وأصدقائهم- ليبدؤوا شركتهم، وبدء تقديم المنتج أو الخدمة والتسويق لهما في إطار ميزانيات محدودة بحجم رأس المال الذي بدؤوا به. لاحقا، عندما تبدأ الإيرادات بالدخول، يتم إعادة تدوير هذه الإيرادات عبر خلق دورة تدفق نقدي (Cash Flow)، ومن ثم تحقيق النمو (Growth) المطلوب للمشروع الناشئ.


كما يشيع أيضا بين رواد الأعمال الذين يبدؤون مشاريعهم الناشئة بلا تمويلات خارجية مصطلح "حصة العرق (Sweat Equity)"، حيث يتم ضم الموظفين وأصحاب الكفاءات للعمل في الشركة الوليدة دون أجر، ولكن في مقابل أن ينالوا حصة مبدئية في تأسيس الشركة. بمعنى أكثر اختصارا، يبذلون جهدهم لتطوير الشركة مقابل أن ينالوا حصة منها، وليس في مقابل الحصول على راتب في نهاية الشهر.


مزايا وعيوب البوتستراب


 

مثل كل شيء آخر، التمويل الذاتي (Bootstrap) له مزاياه وعيوبه، بالضبط كما التمويل بالاعتماد على المستثمرين له مزاياه وعيوبه. وتظل أولى مزاياه -وربما أهمها على الإطلاق- هي إمكانية احتفاظ المؤسسين بحصتهم كاملة في شركتهم، دون اقتسامها مع أي مستثمرين خارجيين؛ ما يعني حصولهم على أرباحهم كاملة مع نمو الشركة، وبالتأكيد حصولهم على مبالغ أكبر أثناء التخارج (Exit) بالاستحواذ على الشركة.

هذه المزية -مزية امتلاك الشركة بالكامل دون مشاركتها مع ممولين خارجيين- تتيح أيضا للمؤسسين والموظفين الأوائل العمل وفقا لرؤيتهم الإبداعية، بعيدا عن تدخلات المستثمرين من وقت لآخر لفرض رؤيتهم الإدارية باعتبارهم مُلّاكا لجزء من الشركة. التمويل الذاتي للشركة يمنح للمؤسسين والمديرين والمشاركين في المشروع مُطلق الحرية في اتخاذ القرارات التي من شأنها تنمية الشركة وتشغيلها، دون العودة إلى شروط مستثمرين خارجيين، وهو أمر يكون ضروريا للغاية بالنسبة إلى مؤسسي الشركات الناشئة الإبداعية في المجالات الجديدة.

على الجهة الأخرى، فإن التمويل الذاتي للمشاريع الناشئة قد يحمل سلبيات كبيرة، أبرزها على الإطلاق بالطبع أزمة السيولة. بالتأكيد يمثل رأس المال المحدود مشكلة كبيرة للشركة في مراحل تطوير منتجاتها وخدماتها ومرحلة التسويق لها، وهي كلها مراحل تتطلب وجود إنفاق كبير نسبيا ورأس مال داعِم. يزيد من صعوبة المشكلة أن إيرادات المشروعات الناشئة قد تتأخر لشهور أو ربما سنوات طويلة حتى تبدأ في التدفق بشكل كافٍ يمكِّنها من تغطية النفقات والدخول في دورة رأس المال المعتادة.

هذه الأزمة قد يتغلب عليها رواد الأعمال المتسلسلين (Serial entrepreneurs) الذين أسسوا شركات ناشئة سابقة أدرّت عليهم أرباحا كبيرة فأعادوا تدويرها لتأسيس شركة ناشئة جديدة، أما بالنسبة إلى رواد الأعمال الذين يؤسسون شركات للمرة الأولى (First Time Founders)، فيمكن لبعضهم الاعتماد على الحلول الإبداعية للتطوير والتسويق، ولكن هذه الحلول ليست متاحة للجميع بالطبع؛ ما يؤدي إلى انهيار الكثير من المشاريع في مراحلها المُبكرة.

في كل الأحوال، يظل الضغط المالي والنفسي واحدا من أكبر عيوب "التمويل الذاتي"، اللذان عادة ما يدفعا الكثير من المؤسسين لاستحسان فكرة الذهاب إلى المستثمرين والحصول على تمويلات تمهِّد لهم طريقا مريحا نسبيا في إدارة المشروع.



ميل شيمب.. عملاق عالمي بدون تمويلات


فقرة جديدةبين شيستنوت (Ben Chestnut)"، مؤسس ميل شيمب

فقرة جديدةفي عام 2021، أُعلن عن استحواذ شركة البرمجيات الأميركية "Intuit" على شركة "ميل شيمب (Mailchimp)" للتسويق الرقمي عبر البريد الإلكتروني، في صفقة قُدرت قيمتها بحوالي 12 مليار دولار. كانت تلك الصفقة واحدة من أضخم صفقات الاستحواذ التي شهدها العالم التقني في هذا العام، إلا أن ما جعلها أكثر إثارة للاهتمام هو أن ميل شيمب تعد من الشركات القليلة التي لم تعتمد على أي مستثمرين طوال فترة 20 عاما منذ تأسيسها حتى بيعها بهذا الرقم الضخم.

تأسست شركة التسويق بالبريد الإلكتروني "ميل شيمب" في عام 2000 في ظروف استثنائية، حيث كان العالم التقني يعاني مع انفجار "فقاعة الإنترنت" أو الـ"Dot com bubble"، وهو ما أدى إلى انهيار عدد كبير من الشركات التي كانت تعتمد على نمو الإنترنت بدون أن يكون لديها نموذج ربحي واضح. وعلى الرغم من تلك الظروف المحبِطة، قرر كل من بين "شيستنوت" و"مارك أرمسترونغ" بدء مشروع "ميل شيمب" بوصفه منتجا فرعيا لشركتهما المتخصصة في تطوير مواقع الإنترنت.

الفكرة جاءت عندما لاحظ المؤسسان أن هناك طلبات كبيرة من عملاء مختلفين، خصوصا الشركات الصغيرة والمتوسطة، لتصميم "نشرة بريدية إلكترونية" خاصة بهم، كل منهم على حِدة بما يتناسب مع كل شركة أو مجموعة أفراد. ولأن تصميم نشرة بريدية متخصصة بإمكانيات ومزايا محددة لكل شركة كان عملية مرهقة وغير عملية، قرر الشريكان أن يؤسسا خدمة "ميل شيمب"، وهي خدمة بريد إلكتروني شاملة جميع المزايا والمتطلبات التي يطلبها العملاء، بحيث يمكنهم تخصيصها بأنفسهم بسهولة.

ومع تقديم الخدمة بنظام الاشتراك الشهري، بدأت خدمة ميل شيمب في تحقيق نمو جيد وجذب إيرادات جيدة تتيح لها التوسع المستمر؛ ما جعل مؤسسيها يقررون الاستغناء عن البحث عن أي تمويلات من مستثمرين خارجيين. وبعد الأزمة العالمية، تحول نموذج الربح لميل شيمب إلى نموذج "الخدمة المدفوعة ببعض المزايا المجانية (Freemium)، أي أن الجميع لديه القدرة على الاستفادة من خدمة ميل شيمب مجانا، ثم التحول لنموذج مدفوع يتيح المزيد من الخصائص والإضافات المميزة.

على مدار سنوات، تحولت ميل شيمب إلى أهم خدمة تسويق عبر البريد الإلكتروني، حيث وصل عدد مستخدميها إلى أكثر من 14 مليون مستخدم، دون أن تحصل طوال فترة عملها على أي تمويلات خارجية، حتى لحظة الاستحواذ عليها بصفقة ضخمة عام 2021، لتصبح واحدة من أهم أمثلة "البوتستراب (Bootstrapping)" في عالم الشركات الناشئة العالمي.


شترستوك.. شركة ضخمة بدأت بكاميرا


في عام 2003، قرر مهندس تطوير التطبيقات المحترف "جون أورينجر" إطلاق منصة لعرض وبيع الصور الرقمية بشكل رسمي يحافظ على حقوق ملكية المُصوِّر والمُشتري. في الواقع، لم يكن "جون أورينجر" مُصوّرا محترفا على الإطلاق، لكنه بعد أن قضى فترة في البحث عن صور لشرائها بحقوق مِلكية رسمية، اكتشف -آنذاك- تخبطا كبيرا في تداول وبيع الصور بشكل رسمي.

أطلق جون موقعه البسيط باسم "شترستوك" (Shutterstock)، لتواجهه مشكلة أخرى: مَن الذي سيمدّه بالصور التي يجب أن تُعرض في المنصة التي لا يعرف عنها أحد أي شيء؟ كان الحل هو أن يشتري آلة تصوير رقمية من نوع كانون، ويقضي 6 أشهر كاملة في التقاط أكثر من 600 ألف صورة بنفسه في كل المجالات تقريبا، ثم قام بتحميل أفضل 30 ألف صورة اختارها بعناية من بين جميع الصور، ورفعها على منصته الناشئة، وأتاح شراءها للمستخدمين عبر نظام اشتراك شهري يتيح لهم تحميل غير محدود للصور مقابل رسوم تبدأ من 50 دولارا.


وعلى الرغم من أن جون كان هو الموظف الوحيد في شركته، حيث كان مسؤولا عن التقاط الصور بنفسه، ورفعها على المنصة الناشئة بنفسه، ومسؤولا أيضا عن برمجة المنصة وإضافاتها بنفسه (هو بالأساس مبرمج)، بل وكان يجيب عن أسئلة العملاء بنفسه أيضا، فإنه، وبمرور الوقت وزيادة الطلب على الصور، بدأ في ضم بضعة موظفين بدوام كامل، وأيضا فتح الباب للمساهمين برفع صورهم ذات حقوق المِلكية بداية من عام 2006.


فقرة جديدةوبحلول عام 2007، كان عدد الصور في موقع شترستوك قد قارب المليوني صورة، وأصبح الموقع يدر دخلا ممتازا بالفعل، بدون أي استعانة بمستثمرين خارجيين. فقط مجموعة من الموظفين النظاميين، وعدد كبير من المساهمين الذين يرفعون صورهم ذات حقوق الملكية على المنصة. هذا النمو الهائل شجّع عددا من صناديق الاستثمار للتقدم بعروض استثمارية كبيرة هدفها تسريع نمو المنصة وتوسيع أعمالها لتتحول إلى اللاعب الرئيس في مجال مشاركة الصور.

بالفعل، استثمرت مجموعة استثمار جريء في منصة شترستوك في عام 2007، وهو ما سرّع نموها وأتاح لها التوسع وضم عدد أكبر من الموظفين. لاحقا استحوذت شترستوك على عدد من منصات مشاركة الصور التي كانت قد ظهرت آنذاك، ثم انتهى بها الأمر إلى طرحها في اكتتاب عام (IPO)، لتتحول إلى شركة عامة في عام 2012، وتعتبر واحدة من عمالقة الشركات التقنية العالمية.

في النهاية، بالتأكيد قرار بدء شركة ناشئة في خضم أزمة ركود عالمية ليس قرارا سهلا، لا على مستوى نشاط الأسواق، ولا على مستوى سهولة إيجاد المستثمرين. ومع ذلك، فهذا لا يعني تأجيل إطلاق الشركة أو صرف النظر كليا، يكفي أن تعرف أن أكثر المشاريع الناشئة التي حصدت تمويلات ضخمة لاحقا كان سببها أنها قامت بذاتها في مراحلها الأولى، بشكل شجّع المستثمرين على ضخ أموالهم فيها بعد أن أثبتت كفاءتها في البداية بدون الاعتماد على تمويل خارجي.


__________

المصدر:

https://1-a1072.azureedge.net/midan/miscellaneous/entrepreneurship/2022/10/1/%D9%81%D9%8A-%D8%B1%D8%AD%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%88%D8%AA%D8%B3%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%A8-bootstrap-%D9%87%D9%84-%D9%8A%D9%85%D9%83%D9%86-%D8%AA%D8%A3%D8%B3%D9%8A%D8%B3?fbclid=IwAR1th_aTmo4cxoNqc57GT4Rl5A02ua1DKLmUpRxLjWo5bjgjd_YKvJHSP3A


بواسطة أمجد أبو سيدو ٢٢ فبراير ٢٠٢٥
مع بداية العدوان على غزة في أكتوبر 2023، ازدهرت حركة مقاطعة الاحتلال بشكل غير مسبوق، والتزم بنهج المقاطعة العديد من الشعوب حول العالم تضامنًا مع غزة، وتمكنت المقاطعة من تحقيق خسائر مرتفعة للشركات الإسرائيلية والشركات الداعمة لها حتى أغلقت عدة شركات نسبةً من فروعها بسبب هذه الخسائر. والآن، مع توقف العدوان على غزة: ما هي الجدوى من استمرار المقاطعة؟ ما هي أبرز الأرقام التي حققتها على مدار الحرب؟ هل أثرت فعليًا في اقتصاد "إسرائيل"؟، وأيضًا، من أين جاءت فكرة المقاطعة؟ ما هي أبرز التجارب التاريخية لها؟ لماذا لا يزال البعض غير مقتنع بجدواها؟ هل ينحسر تأثيرها في الجانب الاقتصادي؟ ما هي أشكال المقاطعة المختلفة؟ ما هي المقاطعة الدبلوماسية؟ ما دور المقاطعة بحراك الجامعات الأمريكية؟ كيف تساهم المقاطعة في عزلة "إسرائيل"؟ ما الذي يجعل المُقاطع مشتركًا في المواجهة؟
بواسطة د. فاضل سليمان ٢٩ مارس ٢٠٢٤
مزيد من المنشورات
Share by: